مراحل اللجوء
منتدى شباب مخيم خان دنون الثقافي :: فلســــطين الحبيبــــة(أرض التاريخ والحضارات) :: قضايا اللاجئيــــــــــن :: أوضاع اللاجئين في لبنان
صفحة 1 من اصل 1
مراحل اللجوء
راحل لجوء الفلسطينيون إلى لبنان
المرحلة الأولى:
وصل الفلسطينيون بتموجات متعددة مهجرين إلى لبنان، وابتدأت المأساة في النصف الثاني من الأربعينات، خاصة بعد صدور قرار التقسيم في 29/تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة، ما لبثت أن تسارعت في انتشارها لتشمل كل فلسطين، وتوجت بالمعارك الدفاعية التي خاضها الفلسطينيون ضد التحالف الصهيوني-البريطاني، الذي نجح في 15/أيار 1948 في القضاء على المجتمع الفلسطيني، وطرد الغالبية العظمى من الفلسطينيين وتشريدهم عن ديارهم.
في هذه الهجرة ِ"الأولى" وصل مالا يقل عن المائة ألف فلسطيني إلى الجنوب اللبناني، حيث تجمعت أعدادهم في منطقة صور على الأخص، واتخذت مخيم البرج الشمالي ومخيم الرشيدية محطتي انطلاق/ انتقال (ترانزيت)، توزعوا منها في المخيمات الأخرى. ولم تشكل العائلات الأولى التي بدأت نزوحاً طويلاً فردانياً منذ العام 1947 نسبة تذكر، فقد كانوا من برجوازية المدن، ومعظمهم اعتاد الاصطياف سابقاً في لبنان، أو يوجد لهم أقارب وانساب/ علاقات مصاهرة فيه، فاتخذوا لهم مساكن في المدن والمصايف لتمضية العطلة السنوية الصيفية، ريثما تهدأ المعارك كما كانوا يتوهمون.
تلك الفئة شملها إحصاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر آنذاك 1948، وإحصاء وكالة الغوث "الأنروا" في عام 1952، وهي مسجلة في سجلات المديرية العامة للأمن العام ومديرية شؤون اللاجئين، ولا جدال على شرعية إقامتهم في لبنان، وعليه يمنحون هوية خاصة ووثائق سفر لهم.
المرحلة الثانية:
بعد فترة وجيزة من السماح بدخول اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الوحشية والاعتداءات الصهيونية في صيف 1948، أغلقت السلطات اللبنانية الحدود الجنوبية، واعتبر كل لاجئ يصل حديثاً عبر الحدود مخالفاً للقانون ، "وجود غير شرعي". وقد استمر عدد من الفلسطينيين في حالة ذهاب وإياب للوطن المحتل، فقد دفعت الظروف المأساوية القاسية الكثيرين من الرجال اللاجئين إلى العودة إلى قراهم، بغية تحصيل أو الحصول على بعض ممتلكاتهم وخيراتهم، لسد رمق عائلاتهم، واستمر لجوء عدد من سكان القرى الشمالية الذين كانوا يتعرضون لفتك الصهاينة بهم وتدمير قراهم وطردهم رغم وقف إطلاق النار.
وفي عام 1956م شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي ضد مصر، واندفعت القوات العسكرية الإسرائيلية لاحتلال غزة، التي كانت آنذاك تخضع للإدارة المصرية، وارتكبت فيها المجازر، مما دفع عددا من السكان للهرب لاجئين مرة أخرى إلى مصر وسوريا، ووصل بعضهم إلى لبنان عبر البحر، وقدرت أعدادهم بخمسة آلاف فلسطيني، منحتهم السلطة حق الإقامة بموجب بطاقة بيضاء اللون صادرة عن الأمن العام اللبناني، إلا أن الأنروا لم تقبل بنقل سجلاتهم من غزة إلى لبنان، فحرموا بذلك من خدماتها. هذه الفئة تضم كل الذين لم يشملهم الإحصاء الأول، رغم إقامتهم في لبنان، وقد سويت أوضاعهم لاحقاً بموجب المراسيم الرئاسية وهي المرسوم رقم: (309 لعام 1962)، والمرسوم رقم 136 لعام 1969)، وحصلوا على وثائق مرور ليتمكنوا من السفر والتنقل (Laisser-passer)، إضافة إلى حق جمع الشمل الذي طبقته بندرة مديرية الشؤون لاحقاً للصلاحيات الممنوحة لها.
المرحلة الثالثة:
ابتدأت مع سقوط مناطق: الضفة الغربية، وقطاع غزة، تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وبداية نهوض ومأسسة حركة المقاومة الفلسطينية، فقد وصل إلى جنوب لبنان عدد من كوادر وقيادي الحركة، سواء في المخيمات أو في قواعد الحركة الفدائية، وما لبث هذا العدد أن تزايد بعد انفجار الصراع والصدام الدامي في الأردن، ووقوع معارك أيلول الأسود عام 1970، ومعارك جرش 1971 التي أخرجت المقاومة الفلسطينية المسلحة من الأردن، وقد وصل عدد من قيادييها كوادرها، ومقاتليها إلى الجنوب اللبناني، وقد تضخم هذا العدد مع انفجار الحرب الأهلية في لبنان ابتداءً من عام 1975 فصاعداً، ولكنهم في عام 1982 ونتيجة مما ترتب على الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان من اخراج المقاومة ، غادر الالاف من الفلسطين الى كل من تونس وليبيا والسودان واليمن، وجزء وصل سوريا حوالي (14000) نسمة(88) . وقد بقي عدد من هؤلاء في الشمال والبقاع، وعاد البعض لاحقاً ممن غادروا، إلا أن اندلاع الصراع بين فصائل/ شقي فتح عام 1983 أدى إلى نزوح جديد لعدد كبير من المقاتلين والكوادر وعائلاتهم وقدر العدد بـ(5000) نسمة وخلال هذه الفترة وقعت أيضا الحرب على المخيمات في بيروت وصور وتهجرت عائلات جديدة كثيرة، وغادر جزء منها إلى خارج لبنان، واشتد النزف لهذه الهجرة بموجات متتالية، وزادتها حدة الأزمة والأوضاع الاقتصادية المتردية والوطنية التي عاشها الوضع الفلسطيني إجمالا، بما فيها فلسطينيو لبنان.
هذه الفئة أيضا مع جميع المبعدين من الأراضي المحتلة لاحقاً، لم يسجلوا في السجلات الرسمية، ولم يمنحوا أية أوراق ثبوتية، ولم يتم إحصائهم إطلاقا، وتعد إقامتهم غير قانونية بنظر السلطات اللبنانية. يصل عدد اللاجئون الفلسطينيين زهاء (382.973) ألف نسمة في الجمهورية اللبنانية حتى منتصف عام 2001م، ويشكلون ما يقارب من 11 % من السكان(89) .
يتسم الوضع الفلسطيني في لبنان بخصوصية فريدة، تميزه عن باقي تجمعات اللجوء الفلسطيني ليس فقط في سوريا والأردن وحتى في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وتنبع هذه الخصوصية من كون أن الوجود الفلسطيني في لبنان كان قسرياً وتحت ضغط النكبة وهو في بلد يعاني بدوره من خصوصية تعود إلى التكوين التاريخي للبنان نفسه الذي قام أساسا على توازن طائفي دقيق وشديد الحساسية، من شأن الإخلال بأي من مكوناته أن يهدد بتفجير تركيبة الكيان اللبناني برمته "فتجربة الحروب الأهلية اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اتفاق الطائف عام 1995 دليل كاف على صحة ما نسوق. بسبب من هذا الواقع فإن لجوء بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان قد أثار ولا يزال الريبة والتوجس لدى فريق غير قليل من اللبنانيين، وقد تجلت هذه الريبة على الصعيد الرسمي بسياسات وتشريعات جائرة استهدفت فيما استهدفته تهميش الفلسطينيين في لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والحيلولة دون اندماجهم في النسيج الاجتماعي الاقتصادي اللبناني. أن هذا الموقف السلبي قد شكل عصب الموقف الرسمي اللبناني الذي كان محكوماً منذ البدء باعتبارات طائفية ومذهبية، أقضت بدورها إلى تنمية ورعاية ظاهرة العداء للعرب والفلسطينيين، واذكت روح الفتنة والكراهية وعززت نزعات التناقض والانعزال، وإذكاء الفتن والقطيعة مع هذا الوجود.
عاش اللاجئون في لبنان وحتى أواخر الستينات ظروفاً صعبة للغاية، فقد عومل الفلسطينيون هناك كرعايا أجانب يخضعون لأنظمة وقوانين وزارة الداخلية اللبنانية بدون حق العمل أو التملك أو الانتقال إلا بإذن خاص من السلطات المعنية. وخلال الأعوام الطويلة الممتدة منذ 1948، لم ينجح في الحصول على الجنسية اللبنانية إلا عدد قليل في سنوات الخمسينات نظراً للتكوين الطائفي للدولة اللبنانية كما سلف، حيث شكلوا في أعين السلطات المتنفذة خطراً على التوازن الطائفي في البلاد، لكون أكثريتهم الساحقة من المسلمين، وكانت المخيمات الفلسطينية تخضع مباشرة لسلطة قوى الأمن اللبنانية التي كانت تتمتع بسمعة سيئة في أوساط اللاجئين والتي كانت تستعمل القمع والإرهاب في محاولة لمنع أي تحرك سياسي للفلسطينيين. ولقد واظبت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على التعاطي مع الملف الفلسطيني بوصفة ملفاً أمنيا، والمخيمات بوصفها جزراً أمنية خارجة عن القانون، من الواضح أن مجموعة عوامل قوية التأثير كما سلف تكاثفت وجعلت السياسية الرسمية اللبنانية مسنوده بتأييد نسبة واسعة من الكتلة الجماهيرية اللبنانية تنظر للفلسطيني بوصفة ضيفاً غير مرحب به، ثمة استنتاجات موجودة فعلاً، لكنها لا تغير كثيراً من الحقيقة، ولعل من بين مجوعة العوامل المشار إليها أعلاه هو الدور الفلسطيني في الحرب الأهلية اللبنانية بصرف النظر عن مكانة هذا الدور وحجم المسؤولية التي يتحملها في إشعال فتيل الحرب، إلا أن هناك اتجاهاً قوياً داخل السلطة وخارجها يسعى لإلغاء كل تبعات ذلك الدور الفلسطيني وبالتالي جعل الفلسطينيين في لبنان يدفعون فاتورة الحرب بالكامل، الأمر الذي نمى لدى الضمير الجمعي لفلسطيني لبنان هاجس الوجود والبقاء، هذا الهاجس الذي قد يختلف مضمونه من فرد لآخر، كما اسهم اكثر من عامل في التأسيس له وزرعه، ولو وضعنا جانباً المؤثر التاريخي الذي يعود لحرب عام 1948، وما خلفه ذلك في الذاكرة الجماعية، فإن هناك أمثلة متكررة لإبقاء هذا الشعور حياً، فقد وضعتهم مجزرة صبرا وشاتيلا، وحرب المخيمات أمام خطر الذبح والإبادة، كما أن حملات التضييق والخنق جعلت فلسطيني لبنان على الدوام أمام خطر الاقتلاع والنفي.
ولعل هواجس كهذه موجودة أو كانت موجودة لدى اكثر من تجمع فلسطيني آخر، ولكن المؤكد أنها ليست على الحدة والراهنية التي هي عليه عند فلسطيني لبنان، وذلك لأسباب سبق شرحها وتجد تحضيراً مستمراً لها في تذكير هؤلاء بأنهم أقلية غير مرغوب فيها، ورمز للغرباء الذين تصب عليهم يومياً كل حملات التحريض والكراهية غير الخافية على أحد من رأس الهرم السياسي في لبنان مروراً ببعض الوزراء، وانتهاء بتيار شعبي ليس بالقليل نشأ على ذات الأسس الطائفية والمذهبية القائم عليها النظام السياسي القائم في لبنان.
جملة القول، ودون الاستغراق في تفاصيل وتعقيدات العلاقة الفلسطينية واللبنانية على المستويين الرسمي والشعبي، أو حتى محاولة التاريخ لهذه العلاقة فإن خصوصية الوجود الفلسطيني في لبنان تنبع من كون أن هذا الوجود قد عاش منذ اللجوء وحتى اليوم وسط بيئة تتراوح مواقفها اتجاهه تصاعدياً في الترحيب إلى عدم الود والعلاقة الباردة وصولاً إلى الكراهية الشديدة جداً، تبعاً لتعدد العناصر (الطوائف) إلى الموضوع الفلسطيني وموضوع العرب والعروبة، وكذلك تبعاً لتعاقب حقب الزمن منذ اللجوء وحتى اليوم وتقلبات الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمحلية والإقليمية والدولية.
المرحلة الأولى:
وصل الفلسطينيون بتموجات متعددة مهجرين إلى لبنان، وابتدأت المأساة في النصف الثاني من الأربعينات، خاصة بعد صدور قرار التقسيم في 29/تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة، ما لبثت أن تسارعت في انتشارها لتشمل كل فلسطين، وتوجت بالمعارك الدفاعية التي خاضها الفلسطينيون ضد التحالف الصهيوني-البريطاني، الذي نجح في 15/أيار 1948 في القضاء على المجتمع الفلسطيني، وطرد الغالبية العظمى من الفلسطينيين وتشريدهم عن ديارهم.
في هذه الهجرة ِ"الأولى" وصل مالا يقل عن المائة ألف فلسطيني إلى الجنوب اللبناني، حيث تجمعت أعدادهم في منطقة صور على الأخص، واتخذت مخيم البرج الشمالي ومخيم الرشيدية محطتي انطلاق/ انتقال (ترانزيت)، توزعوا منها في المخيمات الأخرى. ولم تشكل العائلات الأولى التي بدأت نزوحاً طويلاً فردانياً منذ العام 1947 نسبة تذكر، فقد كانوا من برجوازية المدن، ومعظمهم اعتاد الاصطياف سابقاً في لبنان، أو يوجد لهم أقارب وانساب/ علاقات مصاهرة فيه، فاتخذوا لهم مساكن في المدن والمصايف لتمضية العطلة السنوية الصيفية، ريثما تهدأ المعارك كما كانوا يتوهمون.
تلك الفئة شملها إحصاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر آنذاك 1948، وإحصاء وكالة الغوث "الأنروا" في عام 1952، وهي مسجلة في سجلات المديرية العامة للأمن العام ومديرية شؤون اللاجئين، ولا جدال على شرعية إقامتهم في لبنان، وعليه يمنحون هوية خاصة ووثائق سفر لهم.
المرحلة الثانية:
بعد فترة وجيزة من السماح بدخول اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الوحشية والاعتداءات الصهيونية في صيف 1948، أغلقت السلطات اللبنانية الحدود الجنوبية، واعتبر كل لاجئ يصل حديثاً عبر الحدود مخالفاً للقانون ، "وجود غير شرعي". وقد استمر عدد من الفلسطينيين في حالة ذهاب وإياب للوطن المحتل، فقد دفعت الظروف المأساوية القاسية الكثيرين من الرجال اللاجئين إلى العودة إلى قراهم، بغية تحصيل أو الحصول على بعض ممتلكاتهم وخيراتهم، لسد رمق عائلاتهم، واستمر لجوء عدد من سكان القرى الشمالية الذين كانوا يتعرضون لفتك الصهاينة بهم وتدمير قراهم وطردهم رغم وقف إطلاق النار.
وفي عام 1956م شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي ضد مصر، واندفعت القوات العسكرية الإسرائيلية لاحتلال غزة، التي كانت آنذاك تخضع للإدارة المصرية، وارتكبت فيها المجازر، مما دفع عددا من السكان للهرب لاجئين مرة أخرى إلى مصر وسوريا، ووصل بعضهم إلى لبنان عبر البحر، وقدرت أعدادهم بخمسة آلاف فلسطيني، منحتهم السلطة حق الإقامة بموجب بطاقة بيضاء اللون صادرة عن الأمن العام اللبناني، إلا أن الأنروا لم تقبل بنقل سجلاتهم من غزة إلى لبنان، فحرموا بذلك من خدماتها. هذه الفئة تضم كل الذين لم يشملهم الإحصاء الأول، رغم إقامتهم في لبنان، وقد سويت أوضاعهم لاحقاً بموجب المراسيم الرئاسية وهي المرسوم رقم: (309 لعام 1962)، والمرسوم رقم 136 لعام 1969)، وحصلوا على وثائق مرور ليتمكنوا من السفر والتنقل (Laisser-passer)، إضافة إلى حق جمع الشمل الذي طبقته بندرة مديرية الشؤون لاحقاً للصلاحيات الممنوحة لها.
المرحلة الثالثة:
ابتدأت مع سقوط مناطق: الضفة الغربية، وقطاع غزة، تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وبداية نهوض ومأسسة حركة المقاومة الفلسطينية، فقد وصل إلى جنوب لبنان عدد من كوادر وقيادي الحركة، سواء في المخيمات أو في قواعد الحركة الفدائية، وما لبث هذا العدد أن تزايد بعد انفجار الصراع والصدام الدامي في الأردن، ووقوع معارك أيلول الأسود عام 1970، ومعارك جرش 1971 التي أخرجت المقاومة الفلسطينية المسلحة من الأردن، وقد وصل عدد من قيادييها كوادرها، ومقاتليها إلى الجنوب اللبناني، وقد تضخم هذا العدد مع انفجار الحرب الأهلية في لبنان ابتداءً من عام 1975 فصاعداً، ولكنهم في عام 1982 ونتيجة مما ترتب على الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان من اخراج المقاومة ، غادر الالاف من الفلسطين الى كل من تونس وليبيا والسودان واليمن، وجزء وصل سوريا حوالي (14000) نسمة(88) . وقد بقي عدد من هؤلاء في الشمال والبقاع، وعاد البعض لاحقاً ممن غادروا، إلا أن اندلاع الصراع بين فصائل/ شقي فتح عام 1983 أدى إلى نزوح جديد لعدد كبير من المقاتلين والكوادر وعائلاتهم وقدر العدد بـ(5000) نسمة وخلال هذه الفترة وقعت أيضا الحرب على المخيمات في بيروت وصور وتهجرت عائلات جديدة كثيرة، وغادر جزء منها إلى خارج لبنان، واشتد النزف لهذه الهجرة بموجات متتالية، وزادتها حدة الأزمة والأوضاع الاقتصادية المتردية والوطنية التي عاشها الوضع الفلسطيني إجمالا، بما فيها فلسطينيو لبنان.
هذه الفئة أيضا مع جميع المبعدين من الأراضي المحتلة لاحقاً، لم يسجلوا في السجلات الرسمية، ولم يمنحوا أية أوراق ثبوتية، ولم يتم إحصائهم إطلاقا، وتعد إقامتهم غير قانونية بنظر السلطات اللبنانية. يصل عدد اللاجئون الفلسطينيين زهاء (382.973) ألف نسمة في الجمهورية اللبنانية حتى منتصف عام 2001م، ويشكلون ما يقارب من 11 % من السكان(89) .
يتسم الوضع الفلسطيني في لبنان بخصوصية فريدة، تميزه عن باقي تجمعات اللجوء الفلسطيني ليس فقط في سوريا والأردن وحتى في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وتنبع هذه الخصوصية من كون أن الوجود الفلسطيني في لبنان كان قسرياً وتحت ضغط النكبة وهو في بلد يعاني بدوره من خصوصية تعود إلى التكوين التاريخي للبنان نفسه الذي قام أساسا على توازن طائفي دقيق وشديد الحساسية، من شأن الإخلال بأي من مكوناته أن يهدد بتفجير تركيبة الكيان اللبناني برمته "فتجربة الحروب الأهلية اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اتفاق الطائف عام 1995 دليل كاف على صحة ما نسوق. بسبب من هذا الواقع فإن لجوء بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان قد أثار ولا يزال الريبة والتوجس لدى فريق غير قليل من اللبنانيين، وقد تجلت هذه الريبة على الصعيد الرسمي بسياسات وتشريعات جائرة استهدفت فيما استهدفته تهميش الفلسطينيين في لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والحيلولة دون اندماجهم في النسيج الاجتماعي الاقتصادي اللبناني. أن هذا الموقف السلبي قد شكل عصب الموقف الرسمي اللبناني الذي كان محكوماً منذ البدء باعتبارات طائفية ومذهبية، أقضت بدورها إلى تنمية ورعاية ظاهرة العداء للعرب والفلسطينيين، واذكت روح الفتنة والكراهية وعززت نزعات التناقض والانعزال، وإذكاء الفتن والقطيعة مع هذا الوجود.
عاش اللاجئون في لبنان وحتى أواخر الستينات ظروفاً صعبة للغاية، فقد عومل الفلسطينيون هناك كرعايا أجانب يخضعون لأنظمة وقوانين وزارة الداخلية اللبنانية بدون حق العمل أو التملك أو الانتقال إلا بإذن خاص من السلطات المعنية. وخلال الأعوام الطويلة الممتدة منذ 1948، لم ينجح في الحصول على الجنسية اللبنانية إلا عدد قليل في سنوات الخمسينات نظراً للتكوين الطائفي للدولة اللبنانية كما سلف، حيث شكلوا في أعين السلطات المتنفذة خطراً على التوازن الطائفي في البلاد، لكون أكثريتهم الساحقة من المسلمين، وكانت المخيمات الفلسطينية تخضع مباشرة لسلطة قوى الأمن اللبنانية التي كانت تتمتع بسمعة سيئة في أوساط اللاجئين والتي كانت تستعمل القمع والإرهاب في محاولة لمنع أي تحرك سياسي للفلسطينيين. ولقد واظبت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على التعاطي مع الملف الفلسطيني بوصفة ملفاً أمنيا، والمخيمات بوصفها جزراً أمنية خارجة عن القانون، من الواضح أن مجموعة عوامل قوية التأثير كما سلف تكاثفت وجعلت السياسية الرسمية اللبنانية مسنوده بتأييد نسبة واسعة من الكتلة الجماهيرية اللبنانية تنظر للفلسطيني بوصفة ضيفاً غير مرحب به، ثمة استنتاجات موجودة فعلاً، لكنها لا تغير كثيراً من الحقيقة، ولعل من بين مجوعة العوامل المشار إليها أعلاه هو الدور الفلسطيني في الحرب الأهلية اللبنانية بصرف النظر عن مكانة هذا الدور وحجم المسؤولية التي يتحملها في إشعال فتيل الحرب، إلا أن هناك اتجاهاً قوياً داخل السلطة وخارجها يسعى لإلغاء كل تبعات ذلك الدور الفلسطيني وبالتالي جعل الفلسطينيين في لبنان يدفعون فاتورة الحرب بالكامل، الأمر الذي نمى لدى الضمير الجمعي لفلسطيني لبنان هاجس الوجود والبقاء، هذا الهاجس الذي قد يختلف مضمونه من فرد لآخر، كما اسهم اكثر من عامل في التأسيس له وزرعه، ولو وضعنا جانباً المؤثر التاريخي الذي يعود لحرب عام 1948، وما خلفه ذلك في الذاكرة الجماعية، فإن هناك أمثلة متكررة لإبقاء هذا الشعور حياً، فقد وضعتهم مجزرة صبرا وشاتيلا، وحرب المخيمات أمام خطر الذبح والإبادة، كما أن حملات التضييق والخنق جعلت فلسطيني لبنان على الدوام أمام خطر الاقتلاع والنفي.
ولعل هواجس كهذه موجودة أو كانت موجودة لدى اكثر من تجمع فلسطيني آخر، ولكن المؤكد أنها ليست على الحدة والراهنية التي هي عليه عند فلسطيني لبنان، وذلك لأسباب سبق شرحها وتجد تحضيراً مستمراً لها في تذكير هؤلاء بأنهم أقلية غير مرغوب فيها، ورمز للغرباء الذين تصب عليهم يومياً كل حملات التحريض والكراهية غير الخافية على أحد من رأس الهرم السياسي في لبنان مروراً ببعض الوزراء، وانتهاء بتيار شعبي ليس بالقليل نشأ على ذات الأسس الطائفية والمذهبية القائم عليها النظام السياسي القائم في لبنان.
جملة القول، ودون الاستغراق في تفاصيل وتعقيدات العلاقة الفلسطينية واللبنانية على المستويين الرسمي والشعبي، أو حتى محاولة التاريخ لهذه العلاقة فإن خصوصية الوجود الفلسطيني في لبنان تنبع من كون أن هذا الوجود قد عاش منذ اللجوء وحتى اليوم وسط بيئة تتراوح مواقفها اتجاهه تصاعدياً في الترحيب إلى عدم الود والعلاقة الباردة وصولاً إلى الكراهية الشديدة جداً، تبعاً لتعدد العناصر (الطوائف) إلى الموضوع الفلسطيني وموضوع العرب والعروبة، وكذلك تبعاً لتعاقب حقب الزمن منذ اللجوء وحتى اليوم وتقلبات الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمحلية والإقليمية والدولية.
منتدى شباب مخيم خان دنون الثقافي :: فلســــطين الحبيبــــة(أرض التاريخ والحضارات) :: قضايا اللاجئيــــــــــن :: أوضاع اللاجئين في لبنان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى