الأزمة المالية العالمية
صفحة 1 من اصل 1
الأزمة المالية العالمية
أضواء على تداعيات الأزمة المالية العالمية
د. أكرم حجازي
4/10/2008
بخلاف أمم الأرض فلا أظن أحدا من القادة العرب قادر على أن يصدق أنه ثمة أزمة مالية طاحنة تعصف بالنظام الاقتصادي العالمي، وأن هذا النظام قد ينهار بين عشية وضحاها. ففي الوقت الذي انهارت به بعض كبريات المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وتضررت آلاف أخرى في أنحاء مختلفة من العالم ما زلنا نعيش صمتا عربيا رسميا حيال الأزمة وكأنها لا تعنيهم رغم أن أكثر الدول العربية وأغناها تربط عملتها بالدولار غير آبهة بالنتائج أو أنها لا تقدر على الانفكاك منه بفعل الضغوط والتهديدات الأمريكية. أما المواطن العربي فما زال، كعادته، غارق في سباته وكأنه يعيش في كوكب آخر. وأخشى ما نخشاه أن يستفيق، فجأة، على مصائب وكوارث لا حصر لها. فالأزمة ليست طارئة ولا عابرة، وببساطة فلو لم يوافق الكونغرس الأمريكي على خطة الإنقاذ القاضية بشراء ديون الرهن العقاري البالغة قرابة 700 مليار دولار في جلسته الثانية لاستفقنا، بلا أدنى شك، على فوضى عالمية لن يفلت منها أي تشكيل اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي كائنا من كان. ويكفي أن يتخيل الناس حجم الفزع الذي أصاب الأمريكيين عموما حين رفض الكونغرس الموافقة على الخطة في الجلسة الأولى ليدركوا حقيقة المصيبة الاقتصادية العالمية بالنظر لارتباط النظام الاقتصادي العالمي بالدولار الأمريكي. فما الذي خلفته الأزمة؟ وما الذي نتوقعه من التدخل الحكومي؟
بداية لا بد من الفهم أن النظام الاقتصادي الحر المسمى بالرأسمالية يشتمل على عدة أشكال من الرأسمالية، إذ ثمة رأسمالية تجارية وأخرى صناعية وثالثة مالية ورابعة خدماتية وهكذا. أما محور الأزمة الراهنة فقد وقع في إطار الرأسمالية المالية، وعلى وجه الخصوص في شركات الرهن العقاري التي تسببت ديونها فقط في ضرب كافة منتجات الرأسمالية المالية من بورصة وأسهم وسندات وبنوك ومصارف وشركات التأمين وصناديق ادخار وإقراض وصناديق سيادية وغيرها، وعبر هذا الشكل من الرأسمالية تعرضت باقي الأشكال إلى أضرار فادحة لتلقي بتداعياتها على الاقتصاد العالمي.
ولو فتشنا عن أسباب انهيار سوق الرهن العقاري لاختلفت التحليلات والتفسيرات وتباينت، فثمة من يعيدها إلى فوضى السوق بلا أية ضوابط ، وآخر يعيدها إلى سقم المنظومات القانونية التي تحكم حركة السوق الحرة، وثالث يعيدها إلى الرغبة في تحقيق أرباح سريعة ورابع يردها إلى خداع العملاء من العامة الذين رغبوا في امتلاك بيوت بسرعة قياسية بخلاف الأنظمة التقليدية التي تسمح للفرد بتملك البيت. والحقيقة أن الأسباب كثيرة وكلها نسبيا تعبر عن جزء من الحقيقة، لكنها، حتى لو اجتمعت بكاملها، فلن تعبر عن إجمالي الحقيقة في تفسير الأزمة. لذا ليس مهما ما حدث وما زال يحدث بقدر ما ينبغي الاهتمام بالمعاني التي أفرزتها الأزمة ووجوب التنبه لما يمكن أن يحدث مستقبلا. إذ أن أزمات النظام الرأسمالي آخذة بالتفجر الواحدة تلو الأخرى، ولا مناص من التحذير من قابل الأيام حيث لم تعد ثمة ثقة في حقيقة المعلومات التي تصلنا عن جواهر الأزمة وإن كانت، ظاهريا، تبدو أزمة مالية.
أولا: ميزة الأزمة أنها أحدثت شرخا عميقا في مستوى الثقة في النظام الرأسمالي خاصة وأنها أول ما ضربت الفرد والمجتمع الأمريكيين في الصميم. فلم يعد الفرد الأمريكي آمنا ولا المجتمع من هكذا نظام لطالما زعم أهله من ساسة ومفكرين أنه التعبير الأرقى عن الحلم الأميركي الذي يجب تعميمه على كافة المجتمعات. لكن بأية مشروعية يمكن الترويج لهذا الحلم؟ وما هي الضمانات التي تبرر استمراره وتحول دون انهياره؟ ببساطة المشكلة أن فردا، بالكاد يستطيع سد رمقه، تعرض للإغراء فاشترى بيتا بالأقساط المريحة، وبفعل الأنظمة المالية الربوية والخداع وجد نفسه، في فترة زمنية قصيرة جدا، أنه عاجز عن سداد الأقساط، وترتب على ذلك تدخل مؤسسة وراء مؤسسة بحجة إنقاذه فإذا بالجميع يغرق ويعجز عن سداد الديون وفوائدها الباهظة حتى أن الفرد لم يعد يعرف كم يملك من البيت. هذا إن كان يملك منه شيء فعلا. ولأن هناك مستثمرين في الرهن العقاري من الدول الأخرى على مستوى الدول والبنوك والشركات والأفراد فقد طالت الأزمة الجميع منذرة بخسارة المستثمرين لأموالهم وانهيار النظام الاقتصادي برمته.
ثانيا: لذا فإن منبع الأزمة من ألفها إلى يائها هو الوحشية الرأسمالية التي تكاد تصل إلى قمتها القائمة أساسا على جنون التعاملات الربوية التي بمقدورها أن تحقق انتصارات لفئات محدودة وكوارث للغالبية الساحقة من الناس. وعليه فمن المهم ملاحظة أن الأزمة تفجرت أصلا في إطار الرأسمالية المالية وليس في الأشكال الأخرى من النظام الرأسمالي. ومعلوم أن هذا الإطار غير منتج ولا يصنع اقتصادا آمنا أبدا، لكنه مغري ومريح في تحقيق أرباح طائلة دون أي جهد إنتاجي يذكر. فالذين تدخلوا بداية في الأزمة استندوا إلى أصول في تقديم القروض لطالبيها، لكن الذين تلوهم في التعاملات التجارية أخرجوا الأصول، فعليا، من حيز التداول ولو أنها قانونيا بدت قائمة. والطريف أن بعض المالكين قاموا بالتأمين على بيوتهم التي اشتروها، إلا أن مثل هؤلاء ألقوا بالخسارة الفادحة على شركات التأمين. باختصار فالأزمة من وجه آخر أن عدة شركات تورطت في شراء نفس البيت بشكل ما فانهارت قيمته بسبب عجز المالكين عن السداد وعجز الشركات عن سداد ديون بعضها، فلم يعد المتورطون كافة يمتلكون السيولة التي تمكنهم من البقاء في السوق.
ثالثا: لا ينكر أحد من الاقتصاديين أن الاشتراكية قدمت أعظم الخدمات للرأسمالية في نقدها لها وبيان عوراتها منذ وقت مبكر جدا، وبلسان كارل ماركس نفسه، لكن الرأسمالية التي استفادت من الفكر الماركسي وهو يدلها على أمراضها وعللها بما لا يقارن بأي فكر اقتصادي آخر كانت بخيلة إلى حد العدم في تقديم أية خدمة قد تساهم في الكشف عن عورات النظام الاشتراكي. فصمدت الرأسمالية (إلى حين) وانهارت الاشتراكية. وتجلت نشوة الانتصار على المنظومة الشيوعية في حديث كبار المفكرين الأمريكيين عن الحلم الأمريكي القادم للبشرية وعن نهاية التاريخ والإنسان الأخير حتى بلغت حد العجرفة والعنصرية والتهديد في الخطاب الفكري والسياسي الأمريكي الذي بات يتحدث عن صدام الحضارات وينتج حروبا أكثر مما ينتج اقتصادا.
رابعا: لا ريب أن جوهر الأزمة، في ضوء القوانين التي أفرزتها، أثبتت أن منطق الرأسمالية المتوحش لا بد له من نهاية. وعليه فإن مقولة آدم سميث التي قام عليها الاقتصاد الليبرالي: دعه يعمل ... دعه يمر لم تعد قائمة ولم تعد ذات جدوى. وهذا يعني أن فكرة حيادية الدولة تجاه الاقتصاد الحر هي فكرة جنونية وعبثية. فلأول مرة تضطر الولايات المتحدة كدولة أن تتدخل لإنقاذ النظام الاقتصادي برمته وليس النظام المالي فحسب. ولا شك أن هذا التدخل سيهدم، وإلى الأبد، أهم ركن أساسي في النظام الاقتصادي الرأسمالي.
خامسا: ولأول مرة يجري الحديث ليس عن إصلاح الوضع ومعالجة الأزمة بل عن الحاجة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر أمنا كما صرح بذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. فقبل ذلك لم نسمع من المنظومة الرأسمالية أي انتقاد للنظام القادم بقدر ما ملّ الناس من اسطوانة الحلم. والأكيد أن مثل هذه التصريحات والتقييمات أقرب إلى التعبير عن الفزع من النظام القائم وليس عن الأزمة فحسب. وبرغم التخبط في التصريحات الأوروبية إلا أن تحميل الولايات المتحدة وحدها مسؤولية الأزمة كما ترى ألمانيا لن يعفيها من المسؤولية ولن يحميها من التداعيات، ولعل الرئيس الفرنسي كان الأكثر صراحة حين قال بأن انهيار بنك أوروبي كبير سيعني انهيار أوروبا ماليا رغم أنه طمأن مواطنيه، في تصريحات أخرى، بأن النظام المالي الفرنسي آمن، ولو أنه غير محصن كفاية!
ختاما فإن حقيقة تدخل الدولة في الأزمة الراهنة ينبغي ألا يخدع أحدا. فهو أشبه بصدمة إنعاش كهربائي لجسد على وشك الانهيار وليس الشفاء. والثابت أنه منذ تسعينات القرن الماضي (1997، مايو/ أيار 2006 و 2020) دأب خبراء الاقتصاد، لعشرات الأسباب، على التنبؤ بانهيار حاسم للدولار الأمريكي أكثر من مرة، وكان ينبغي له أن يسقط، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لجأت، على الدوام، إلى عملية ترقيع من شأنها تأجيل عملية الانهيار. وابتداء من الأزمة الراهنة على الأقل، وفي أحسن الأحوال، فالولايات المتحدة لم تعد القوة الأعظم على الإطلاق، خاصة، وهي تبدو أقرب إلى أن تلفظ أنفاسها، ومن الأحسن لها أن تفكر في كيفية المحافظة على وحدة الاتحاد بدلا من خوض الحروب وممارسة الغطرسة الدولية. فما حدث هو تدخل يمس ديون الرهن العقاري وليس حل المشكلة بحد ذاتها، بمعنى آخر هو تدخل استهدف تأجيل انفجار الاقتصاد العالمي، ولهذا انفجرت الخلافات القوية بين أعضاء الكونغرس خاصة من الحزب الجمهوري ذاته حول جدوى التدخل، ومع ذلك فلم يكن له من مفر إلا الموافقة على الخطة وإلا فالفوضى العالمية كان من الممكن أن تقع بين ليلة وضحاها. لذا فالسؤال الآن لا يتركز على انهيار الاقتصاد الأمريكي بل اللحظة التي سيقع بها؟ وكيف يمكن مواجهة آثاره خاصة على مواطني دول بائسة ليس لها في العير ولا في النفير؟
د. أكرم حجازي
4/10/2008
بخلاف أمم الأرض فلا أظن أحدا من القادة العرب قادر على أن يصدق أنه ثمة أزمة مالية طاحنة تعصف بالنظام الاقتصادي العالمي، وأن هذا النظام قد ينهار بين عشية وضحاها. ففي الوقت الذي انهارت به بعض كبريات المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وتضررت آلاف أخرى في أنحاء مختلفة من العالم ما زلنا نعيش صمتا عربيا رسميا حيال الأزمة وكأنها لا تعنيهم رغم أن أكثر الدول العربية وأغناها تربط عملتها بالدولار غير آبهة بالنتائج أو أنها لا تقدر على الانفكاك منه بفعل الضغوط والتهديدات الأمريكية. أما المواطن العربي فما زال، كعادته، غارق في سباته وكأنه يعيش في كوكب آخر. وأخشى ما نخشاه أن يستفيق، فجأة، على مصائب وكوارث لا حصر لها. فالأزمة ليست طارئة ولا عابرة، وببساطة فلو لم يوافق الكونغرس الأمريكي على خطة الإنقاذ القاضية بشراء ديون الرهن العقاري البالغة قرابة 700 مليار دولار في جلسته الثانية لاستفقنا، بلا أدنى شك، على فوضى عالمية لن يفلت منها أي تشكيل اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي كائنا من كان. ويكفي أن يتخيل الناس حجم الفزع الذي أصاب الأمريكيين عموما حين رفض الكونغرس الموافقة على الخطة في الجلسة الأولى ليدركوا حقيقة المصيبة الاقتصادية العالمية بالنظر لارتباط النظام الاقتصادي العالمي بالدولار الأمريكي. فما الذي خلفته الأزمة؟ وما الذي نتوقعه من التدخل الحكومي؟
بداية لا بد من الفهم أن النظام الاقتصادي الحر المسمى بالرأسمالية يشتمل على عدة أشكال من الرأسمالية، إذ ثمة رأسمالية تجارية وأخرى صناعية وثالثة مالية ورابعة خدماتية وهكذا. أما محور الأزمة الراهنة فقد وقع في إطار الرأسمالية المالية، وعلى وجه الخصوص في شركات الرهن العقاري التي تسببت ديونها فقط في ضرب كافة منتجات الرأسمالية المالية من بورصة وأسهم وسندات وبنوك ومصارف وشركات التأمين وصناديق ادخار وإقراض وصناديق سيادية وغيرها، وعبر هذا الشكل من الرأسمالية تعرضت باقي الأشكال إلى أضرار فادحة لتلقي بتداعياتها على الاقتصاد العالمي.
ولو فتشنا عن أسباب انهيار سوق الرهن العقاري لاختلفت التحليلات والتفسيرات وتباينت، فثمة من يعيدها إلى فوضى السوق بلا أية ضوابط ، وآخر يعيدها إلى سقم المنظومات القانونية التي تحكم حركة السوق الحرة، وثالث يعيدها إلى الرغبة في تحقيق أرباح سريعة ورابع يردها إلى خداع العملاء من العامة الذين رغبوا في امتلاك بيوت بسرعة قياسية بخلاف الأنظمة التقليدية التي تسمح للفرد بتملك البيت. والحقيقة أن الأسباب كثيرة وكلها نسبيا تعبر عن جزء من الحقيقة، لكنها، حتى لو اجتمعت بكاملها، فلن تعبر عن إجمالي الحقيقة في تفسير الأزمة. لذا ليس مهما ما حدث وما زال يحدث بقدر ما ينبغي الاهتمام بالمعاني التي أفرزتها الأزمة ووجوب التنبه لما يمكن أن يحدث مستقبلا. إذ أن أزمات النظام الرأسمالي آخذة بالتفجر الواحدة تلو الأخرى، ولا مناص من التحذير من قابل الأيام حيث لم تعد ثمة ثقة في حقيقة المعلومات التي تصلنا عن جواهر الأزمة وإن كانت، ظاهريا، تبدو أزمة مالية.
أولا: ميزة الأزمة أنها أحدثت شرخا عميقا في مستوى الثقة في النظام الرأسمالي خاصة وأنها أول ما ضربت الفرد والمجتمع الأمريكيين في الصميم. فلم يعد الفرد الأمريكي آمنا ولا المجتمع من هكذا نظام لطالما زعم أهله من ساسة ومفكرين أنه التعبير الأرقى عن الحلم الأميركي الذي يجب تعميمه على كافة المجتمعات. لكن بأية مشروعية يمكن الترويج لهذا الحلم؟ وما هي الضمانات التي تبرر استمراره وتحول دون انهياره؟ ببساطة المشكلة أن فردا، بالكاد يستطيع سد رمقه، تعرض للإغراء فاشترى بيتا بالأقساط المريحة، وبفعل الأنظمة المالية الربوية والخداع وجد نفسه، في فترة زمنية قصيرة جدا، أنه عاجز عن سداد الأقساط، وترتب على ذلك تدخل مؤسسة وراء مؤسسة بحجة إنقاذه فإذا بالجميع يغرق ويعجز عن سداد الديون وفوائدها الباهظة حتى أن الفرد لم يعد يعرف كم يملك من البيت. هذا إن كان يملك منه شيء فعلا. ولأن هناك مستثمرين في الرهن العقاري من الدول الأخرى على مستوى الدول والبنوك والشركات والأفراد فقد طالت الأزمة الجميع منذرة بخسارة المستثمرين لأموالهم وانهيار النظام الاقتصادي برمته.
ثانيا: لذا فإن منبع الأزمة من ألفها إلى يائها هو الوحشية الرأسمالية التي تكاد تصل إلى قمتها القائمة أساسا على جنون التعاملات الربوية التي بمقدورها أن تحقق انتصارات لفئات محدودة وكوارث للغالبية الساحقة من الناس. وعليه فمن المهم ملاحظة أن الأزمة تفجرت أصلا في إطار الرأسمالية المالية وليس في الأشكال الأخرى من النظام الرأسمالي. ومعلوم أن هذا الإطار غير منتج ولا يصنع اقتصادا آمنا أبدا، لكنه مغري ومريح في تحقيق أرباح طائلة دون أي جهد إنتاجي يذكر. فالذين تدخلوا بداية في الأزمة استندوا إلى أصول في تقديم القروض لطالبيها، لكن الذين تلوهم في التعاملات التجارية أخرجوا الأصول، فعليا، من حيز التداول ولو أنها قانونيا بدت قائمة. والطريف أن بعض المالكين قاموا بالتأمين على بيوتهم التي اشتروها، إلا أن مثل هؤلاء ألقوا بالخسارة الفادحة على شركات التأمين. باختصار فالأزمة من وجه آخر أن عدة شركات تورطت في شراء نفس البيت بشكل ما فانهارت قيمته بسبب عجز المالكين عن السداد وعجز الشركات عن سداد ديون بعضها، فلم يعد المتورطون كافة يمتلكون السيولة التي تمكنهم من البقاء في السوق.
ثالثا: لا ينكر أحد من الاقتصاديين أن الاشتراكية قدمت أعظم الخدمات للرأسمالية في نقدها لها وبيان عوراتها منذ وقت مبكر جدا، وبلسان كارل ماركس نفسه، لكن الرأسمالية التي استفادت من الفكر الماركسي وهو يدلها على أمراضها وعللها بما لا يقارن بأي فكر اقتصادي آخر كانت بخيلة إلى حد العدم في تقديم أية خدمة قد تساهم في الكشف عن عورات النظام الاشتراكي. فصمدت الرأسمالية (إلى حين) وانهارت الاشتراكية. وتجلت نشوة الانتصار على المنظومة الشيوعية في حديث كبار المفكرين الأمريكيين عن الحلم الأمريكي القادم للبشرية وعن نهاية التاريخ والإنسان الأخير حتى بلغت حد العجرفة والعنصرية والتهديد في الخطاب الفكري والسياسي الأمريكي الذي بات يتحدث عن صدام الحضارات وينتج حروبا أكثر مما ينتج اقتصادا.
رابعا: لا ريب أن جوهر الأزمة، في ضوء القوانين التي أفرزتها، أثبتت أن منطق الرأسمالية المتوحش لا بد له من نهاية. وعليه فإن مقولة آدم سميث التي قام عليها الاقتصاد الليبرالي: دعه يعمل ... دعه يمر لم تعد قائمة ولم تعد ذات جدوى. وهذا يعني أن فكرة حيادية الدولة تجاه الاقتصاد الحر هي فكرة جنونية وعبثية. فلأول مرة تضطر الولايات المتحدة كدولة أن تتدخل لإنقاذ النظام الاقتصادي برمته وليس النظام المالي فحسب. ولا شك أن هذا التدخل سيهدم، وإلى الأبد، أهم ركن أساسي في النظام الاقتصادي الرأسمالي.
خامسا: ولأول مرة يجري الحديث ليس عن إصلاح الوضع ومعالجة الأزمة بل عن الحاجة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر أمنا كما صرح بذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. فقبل ذلك لم نسمع من المنظومة الرأسمالية أي انتقاد للنظام القادم بقدر ما ملّ الناس من اسطوانة الحلم. والأكيد أن مثل هذه التصريحات والتقييمات أقرب إلى التعبير عن الفزع من النظام القائم وليس عن الأزمة فحسب. وبرغم التخبط في التصريحات الأوروبية إلا أن تحميل الولايات المتحدة وحدها مسؤولية الأزمة كما ترى ألمانيا لن يعفيها من المسؤولية ولن يحميها من التداعيات، ولعل الرئيس الفرنسي كان الأكثر صراحة حين قال بأن انهيار بنك أوروبي كبير سيعني انهيار أوروبا ماليا رغم أنه طمأن مواطنيه، في تصريحات أخرى، بأن النظام المالي الفرنسي آمن، ولو أنه غير محصن كفاية!
ختاما فإن حقيقة تدخل الدولة في الأزمة الراهنة ينبغي ألا يخدع أحدا. فهو أشبه بصدمة إنعاش كهربائي لجسد على وشك الانهيار وليس الشفاء. والثابت أنه منذ تسعينات القرن الماضي (1997، مايو/ أيار 2006 و 2020) دأب خبراء الاقتصاد، لعشرات الأسباب، على التنبؤ بانهيار حاسم للدولار الأمريكي أكثر من مرة، وكان ينبغي له أن يسقط، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لجأت، على الدوام، إلى عملية ترقيع من شأنها تأجيل عملية الانهيار. وابتداء من الأزمة الراهنة على الأقل، وفي أحسن الأحوال، فالولايات المتحدة لم تعد القوة الأعظم على الإطلاق، خاصة، وهي تبدو أقرب إلى أن تلفظ أنفاسها، ومن الأحسن لها أن تفكر في كيفية المحافظة على وحدة الاتحاد بدلا من خوض الحروب وممارسة الغطرسة الدولية. فما حدث هو تدخل يمس ديون الرهن العقاري وليس حل المشكلة بحد ذاتها، بمعنى آخر هو تدخل استهدف تأجيل انفجار الاقتصاد العالمي، ولهذا انفجرت الخلافات القوية بين أعضاء الكونغرس خاصة من الحزب الجمهوري ذاته حول جدوى التدخل، ومع ذلك فلم يكن له من مفر إلا الموافقة على الخطة وإلا فالفوضى العالمية كان من الممكن أن تقع بين ليلة وضحاها. لذا فالسؤال الآن لا يتركز على انهيار الاقتصاد الأمريكي بل اللحظة التي سيقع بها؟ وكيف يمكن مواجهة آثاره خاصة على مواطني دول بائسة ليس لها في العير ولا في النفير؟
رد: الأزمة المالية العالمية
ما الذي جرى بالضبط؟ ما هي الأزمة؟ الجميع يتابع أخباراً عن الأزمة، الجميع يعايش نتائجها، والجميع يريد أن يفهمها،
حين سمحت سوريا باستيراد السيارات في العام 2001 استورد عماد غريواتي شحنة من سيارات الكيا ريو، عرضها بسعر مليون ليرة (تقريباً) وكان في سوريا آنذاك شريحة من الناس ترغب بسيارة كيا ريو، وتملك مليون ليرة، ذهب هؤلاء إلى حرستا، دفعوا المليون ليرة واستلموا السيارة، بعد بضعة أشهر، انتهت هذه الشريحة، وصار هناك شريحة أخرى ترغب بامتلاك سيارة كيا ريو وتملك 700 ألف ليرة، وجد عماد غريواتي لبعض هؤلاء حلاً، فبمعرفته الشخصية أو بمعرفة أخيه عصام، أو أصدقاء والدهم، سلّم لهم سيارة الريو مع (مسكة شارب) بتسديد المبلغ المتبقي خلال ستة أشهر، انتهت هذه الشريحة أيضاً، لتظهر شريحة من يمتلكون نصف مليون ويرغبون بالريو، وهكذا حتى صار الأمر أكثر تنظيماً، وصار هناك نسبة محددة (تتناقص باستمرار) يجب تسديدها كدفعة أولى، وصار هناك بيان راتب وسند إقامة وكفالة وضمان، ثم دخلت المصارف (الجديدة ايضاً) على الخط، وصارت تشتري من غريواتي إقراضه لقاء فوائد هذا الإقراض (نظرياً هي تشتري السيارة لتبيعها بدورها للمقترض)، وصارت شروطها تزداد سهولة موسماً بعد آخر، فعلى شركة كيا أن تستمر بالإنتاج، وعلى شركة أبناء زهير غريواتي أن تستمر بالاستيراد، وعلى بنك عودة والشام الإسلامي أن يستمرا في توظيف الأموال، وهكذا صار الحصول على سيارة أمر أكثر سهولة، وتقييم المقترض وقدرته على السداد أكثر تساهلاً، وهكذا أيضاً صار هناك من يعجز عن سداد الأقساط وتصادر سيارته، وتباع لغيره، وصار هناك من يختفي هو السيارة التي لا يملكها، وسيكون هناك يوم تنخفض فيه أسعار السيارات فجأة، ويصبح سعرها أقل من قيمة القرض الذي وضعت ضمانة له، عندها سيكون هناك من يقول للمصرف أو للشركة: تريدون مليون ليرة مني، وسيارتي صارت تساوي 600 ألف؟ خذوها إذاً لقاء قرضكم، لم أعد أريدها.
عندها ما الذي سيحصل خصوصاً إذا استشرت الظاهرة؟ ستفقد الأموال التي وظفها البنك في تمويل السيارات 40% من قيمتها، وهي أموال مودعين، اعتقدوا واعتقد البنك معهم أنهم يملكون مبلغاً هم لا يملكونه في الحقيقة، سيخاف المودعون، وسيهرعون لاسترجاع أموالهم، سيعجز البنك عن السداد، فأمواله ليست موجودة في خزائنه، بل هي موجودة على شكل أوراق رهن على سيارات وبيوت ومصانع وأسماء تجارية، وربما على سمعة (كانت حتى اليوم السابق) حسنة.
نتحدث عن سوق السيارات الجديدة في سوريا (مليار دولار كل سنة) ولمدة ست سنوات، فتعالوا إذا لنتحدث عن الاقتصاد الأمريكي (13 تريليون دولار كل سنة) وهو يدور مع تلك العجلة المتضخمة منذ ستين عاماً.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي رسخت الولايات المتحدة زعيمة للعالم الغربي، وفرضت عبر اتفاقية بريتون وودز، الدولار الأمريكي ضابطاً لإيقاع الاقتصاد العالمي، بدأ الاقتصاد الأمريكي ومن خلفه العالم باختراع دافعات جديدة تجبر العجلة على الدوران بأقصى سرعة ممكنة، وكان في كل مرة يكتشف شيئاً جديداً قابلاً للبيع، فالبيت يباع للبنك، والبنك يبيع البيت، والشاري يبيع جزءً من راتبه لثلاثين عاماً قادمة، والبنك يعود ليبيع الرهن مقابل 4,23 % ثم تعود الشركة التي اشترت الرهن، لتقوم ببيع معظم الرهون التي تمتلكها في فرجينيا، لشركة أخرى لقاء 4,19 %، والشركة التي اشترت تؤمّن على نسب الرهون التي تمتلكها لدى شركة تأمين لقاء 0,8 % ثم تبيع شركة التأمين ربع تأمين الرهون لشركة أخرى، تنقل جزءً مما تملك لشركة إعادة تأمين مقابل 0,09، وهذا الأخيرة سترتفع أسهمها التي ستطرحها للبيع في الصباح التالي في بورصة نيويورك بثماني نقاط، مما يزيد من قيمتها الإجمالية، فتتمكن من الحصول على قروض جديدة، تأخذها من بنك صار لديه سيولة (نظرية) جديدة لأنه باع قبل ثلاثة أيام 78% من الرهون العقارية التي كان يملكها في فيرجينيا، واشترى ب 13,6% منها رهون جديدة في فيلادلفيا، وبقي لديه فائض يبحث عن توظيف في شركة مضمونة.
قد تبدو (الدويخة) السابقة مجرد حذلقة لغوية، لكنها نقطة في بحر التعقيد المالي في الاقتصاد الأمريكي القائم على المبالغة في التقييم، فكل هؤلاء السابقين لم يقيم أحد منهم الآخر تقييماً حقيقياً، والعجلة تدور منذ ستين عاماً بالطريقة ذاتها، وبشكل يتضخم يوماً بعد يوم، حتى بدأت قبل أشهر الأزمة التمهيدية التي أطلق عليها (أزمة الرهن العقاري) والتي في حقيقتها (أزمة التغاضي عن التقييم الكاذب) ومع تآكل برغي واحد في العجلة، بدأت بقية البراغي بالاهتزاز، وصارت فقدان التوازن ينتقل بسرعة من نقطة إلى أخرى.
حين سمحت سوريا باستيراد السيارات في العام 2001 استورد عماد غريواتي شحنة من سيارات الكيا ريو، عرضها بسعر مليون ليرة (تقريباً) وكان في سوريا آنذاك شريحة من الناس ترغب بسيارة كيا ريو، وتملك مليون ليرة، ذهب هؤلاء إلى حرستا، دفعوا المليون ليرة واستلموا السيارة، بعد بضعة أشهر، انتهت هذه الشريحة، وصار هناك شريحة أخرى ترغب بامتلاك سيارة كيا ريو وتملك 700 ألف ليرة، وجد عماد غريواتي لبعض هؤلاء حلاً، فبمعرفته الشخصية أو بمعرفة أخيه عصام، أو أصدقاء والدهم، سلّم لهم سيارة الريو مع (مسكة شارب) بتسديد المبلغ المتبقي خلال ستة أشهر، انتهت هذه الشريحة أيضاً، لتظهر شريحة من يمتلكون نصف مليون ويرغبون بالريو، وهكذا حتى صار الأمر أكثر تنظيماً، وصار هناك نسبة محددة (تتناقص باستمرار) يجب تسديدها كدفعة أولى، وصار هناك بيان راتب وسند إقامة وكفالة وضمان، ثم دخلت المصارف (الجديدة ايضاً) على الخط، وصارت تشتري من غريواتي إقراضه لقاء فوائد هذا الإقراض (نظرياً هي تشتري السيارة لتبيعها بدورها للمقترض)، وصارت شروطها تزداد سهولة موسماً بعد آخر، فعلى شركة كيا أن تستمر بالإنتاج، وعلى شركة أبناء زهير غريواتي أن تستمر بالاستيراد، وعلى بنك عودة والشام الإسلامي أن يستمرا في توظيف الأموال، وهكذا صار الحصول على سيارة أمر أكثر سهولة، وتقييم المقترض وقدرته على السداد أكثر تساهلاً، وهكذا أيضاً صار هناك من يعجز عن سداد الأقساط وتصادر سيارته، وتباع لغيره، وصار هناك من يختفي هو السيارة التي لا يملكها، وسيكون هناك يوم تنخفض فيه أسعار السيارات فجأة، ويصبح سعرها أقل من قيمة القرض الذي وضعت ضمانة له، عندها سيكون هناك من يقول للمصرف أو للشركة: تريدون مليون ليرة مني، وسيارتي صارت تساوي 600 ألف؟ خذوها إذاً لقاء قرضكم، لم أعد أريدها.
عندها ما الذي سيحصل خصوصاً إذا استشرت الظاهرة؟ ستفقد الأموال التي وظفها البنك في تمويل السيارات 40% من قيمتها، وهي أموال مودعين، اعتقدوا واعتقد البنك معهم أنهم يملكون مبلغاً هم لا يملكونه في الحقيقة، سيخاف المودعون، وسيهرعون لاسترجاع أموالهم، سيعجز البنك عن السداد، فأمواله ليست موجودة في خزائنه، بل هي موجودة على شكل أوراق رهن على سيارات وبيوت ومصانع وأسماء تجارية، وربما على سمعة (كانت حتى اليوم السابق) حسنة.
نتحدث عن سوق السيارات الجديدة في سوريا (مليار دولار كل سنة) ولمدة ست سنوات، فتعالوا إذا لنتحدث عن الاقتصاد الأمريكي (13 تريليون دولار كل سنة) وهو يدور مع تلك العجلة المتضخمة منذ ستين عاماً.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي رسخت الولايات المتحدة زعيمة للعالم الغربي، وفرضت عبر اتفاقية بريتون وودز، الدولار الأمريكي ضابطاً لإيقاع الاقتصاد العالمي، بدأ الاقتصاد الأمريكي ومن خلفه العالم باختراع دافعات جديدة تجبر العجلة على الدوران بأقصى سرعة ممكنة، وكان في كل مرة يكتشف شيئاً جديداً قابلاً للبيع، فالبيت يباع للبنك، والبنك يبيع البيت، والشاري يبيع جزءً من راتبه لثلاثين عاماً قادمة، والبنك يعود ليبيع الرهن مقابل 4,23 % ثم تعود الشركة التي اشترت الرهن، لتقوم ببيع معظم الرهون التي تمتلكها في فرجينيا، لشركة أخرى لقاء 4,19 %، والشركة التي اشترت تؤمّن على نسب الرهون التي تمتلكها لدى شركة تأمين لقاء 0,8 % ثم تبيع شركة التأمين ربع تأمين الرهون لشركة أخرى، تنقل جزءً مما تملك لشركة إعادة تأمين مقابل 0,09، وهذا الأخيرة سترتفع أسهمها التي ستطرحها للبيع في الصباح التالي في بورصة نيويورك بثماني نقاط، مما يزيد من قيمتها الإجمالية، فتتمكن من الحصول على قروض جديدة، تأخذها من بنك صار لديه سيولة (نظرية) جديدة لأنه باع قبل ثلاثة أيام 78% من الرهون العقارية التي كان يملكها في فيرجينيا، واشترى ب 13,6% منها رهون جديدة في فيلادلفيا، وبقي لديه فائض يبحث عن توظيف في شركة مضمونة.
قد تبدو (الدويخة) السابقة مجرد حذلقة لغوية، لكنها نقطة في بحر التعقيد المالي في الاقتصاد الأمريكي القائم على المبالغة في التقييم، فكل هؤلاء السابقين لم يقيم أحد منهم الآخر تقييماً حقيقياً، والعجلة تدور منذ ستين عاماً بالطريقة ذاتها، وبشكل يتضخم يوماً بعد يوم، حتى بدأت قبل أشهر الأزمة التمهيدية التي أطلق عليها (أزمة الرهن العقاري) والتي في حقيقتها (أزمة التغاضي عن التقييم الكاذب) ومع تآكل برغي واحد في العجلة، بدأت بقية البراغي بالاهتزاز، وصارت فقدان التوازن ينتقل بسرعة من نقطة إلى أخرى.
رد: الأزمة المالية العالمية
طيب سؤال :
مامدى تأثيرها علينا ؟؟
حقيقتان في الحديث الرسمي السوري
أثناء حديثه التلفزيوني لشرح الأزمة وأبعادها، قال نائب رئيس الوزراء عبد الله الدردري أن الخطوات الاقتصادية التي اتخذتها سوريا قبل عام ونصف، كفيلة بمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان في مضمون كلامه ما يدل أن على العالم أن يستفيد من التجربة السورية في إدارة الاقتصاد، وقد استدعت هذه النقطة توقف بعض المتابعين لها، حيث اعتبروها مجرد حلقة جديدة من مسلسل الشعارات السوري العريق، لكن هذه النقطة صحيحة تماماً، وفعلاً ليس أمام الاقتصاد العالمي إلا اللجوء إلى الطريقة السورية في إدارة الاقتصاد، وبشكل أدق: النكوص إلى الطريقة السورية.
فكل العلوم حين تقف أمام أزمة شديدة تنكص للحلول البدائية، فالطب في أقصى الحالات تأزماً يلجأ للبتر (كما كان الأمر تماماً قبل ألف عام على تخوم الصحراء) والهندسة المدنية تعود لاستخدام الخيش والغضار والتبن، والهندسة المائية تعود لاستخدام الدلو والحبل، والاقتصاد يعود لاستخدام الطريقة السورية.
الحقيقة الثانية هي أن تأثير الأزمة علينا سيكون محدوداً بسبب عدم تشابك اقتصادنا مع الاقتصاد العالمي كما غيرنا من الدول.
واقتصادنا فعلاً هو اقتصاد حقيقي، وليس اقتصاد واهم، كما هو الحال في البلدان الأكثر تأثراً، وهي النقطة التي تحتاج شرحاً إضافياً كي لا تكون شعاراً أيضاً.
الاقتصاد السوري الحقيقي
لو طلبت من أي شخص أن يعدد أغنى عشرة رجال أعمال في سوريا، لذكر لك (غالباً) مجموعة من الأسماء المعروفة شعبياً بأنها الأكثر ثراءً، وهي ستدور في فلك الأسماء التالية: رامي مخلوف، نبيل الكزبري، صائب نحاس، عبد الرحمن العطار، عثمان العائدي، محمد حمشو، فاروق جود ، سعيد الحافظ، محمد صباغ شراباتي ، طريف الأخرس، راتب الشلاح...
وبمراجعة هذه الأسماء نجد أن واحداً منهم فقط يعمل في مجال الاتصالات، بينما يعمل الباقون كلهم في مجالات تقليدية: تجار ورق ورز وسكر، مصنعو زيوت ونسيج وأجهزة كهربائية، أصحاب جبّالات وفنادق ومعامل أنابيب وأدوية...
بينما إذا راجعنا قائمة أغنى عشرة أشخاص في الولايات المتحدة لوجدنا أن أبرزهم هم المضاربين في البورصة (وارن بافيت، بول ألين) وبينهم صاحب كازينوهات قمار (شيلدون اديلسون) ومتاجر بالرهون العقارية (جون بولسون)، والبقية من نجوم قطاع المعلوماتية: كيرك كيركوريان (غوغل) و لورانس إليسون (اوراكل) ومايكل ديل (دِيل) وستيف جوبس (آبل) وبيل غيتس (مايكرو سوفت).
وهذه المقارنة تمكننا من فهم معنى عبارة (الاقتصاد السوري اقتصاد حقيقي، لذلك سيكون قليل التأثر بالأزمة العالمية)
اكتشاف دريد درغام
من بين كل ما كتب وقيل في الإعلام المحلي، كانت الدراسة التي نشرها ـ ـ مدير عام المصرف التجاري د.دريد درغام، هي الأكثر علمية ومسؤولية وصراحة، وكانت (بالنسبة لي على الأقل) إعادة اكتشاف لهذا العقل الاقتصادي المثير للإعجاب، وهي أيضاً مؤشراً سيئاً على أن مستقبل الرجل في العمل العام لن يكون طويلاً، فهو (أفهم) من يتحملوه طويلاً.
براون
لا أستطيع أن أختم سوى بالجملة التي كتبها رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قبل يومين في صحيفة التايمز:
(بما أن هذه الأزمة عالمية فهي تحتاج لحل عالمي)
تحياتي لكم
مامدى تأثيرها علينا ؟؟
حقيقتان في الحديث الرسمي السوري
أثناء حديثه التلفزيوني لشرح الأزمة وأبعادها، قال نائب رئيس الوزراء عبد الله الدردري أن الخطوات الاقتصادية التي اتخذتها سوريا قبل عام ونصف، كفيلة بمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان في مضمون كلامه ما يدل أن على العالم أن يستفيد من التجربة السورية في إدارة الاقتصاد، وقد استدعت هذه النقطة توقف بعض المتابعين لها، حيث اعتبروها مجرد حلقة جديدة من مسلسل الشعارات السوري العريق، لكن هذه النقطة صحيحة تماماً، وفعلاً ليس أمام الاقتصاد العالمي إلا اللجوء إلى الطريقة السورية في إدارة الاقتصاد، وبشكل أدق: النكوص إلى الطريقة السورية.
فكل العلوم حين تقف أمام أزمة شديدة تنكص للحلول البدائية، فالطب في أقصى الحالات تأزماً يلجأ للبتر (كما كان الأمر تماماً قبل ألف عام على تخوم الصحراء) والهندسة المدنية تعود لاستخدام الخيش والغضار والتبن، والهندسة المائية تعود لاستخدام الدلو والحبل، والاقتصاد يعود لاستخدام الطريقة السورية.
الحقيقة الثانية هي أن تأثير الأزمة علينا سيكون محدوداً بسبب عدم تشابك اقتصادنا مع الاقتصاد العالمي كما غيرنا من الدول.
واقتصادنا فعلاً هو اقتصاد حقيقي، وليس اقتصاد واهم، كما هو الحال في البلدان الأكثر تأثراً، وهي النقطة التي تحتاج شرحاً إضافياً كي لا تكون شعاراً أيضاً.
الاقتصاد السوري الحقيقي
لو طلبت من أي شخص أن يعدد أغنى عشرة رجال أعمال في سوريا، لذكر لك (غالباً) مجموعة من الأسماء المعروفة شعبياً بأنها الأكثر ثراءً، وهي ستدور في فلك الأسماء التالية: رامي مخلوف، نبيل الكزبري، صائب نحاس، عبد الرحمن العطار، عثمان العائدي، محمد حمشو، فاروق جود ، سعيد الحافظ، محمد صباغ شراباتي ، طريف الأخرس، راتب الشلاح...
وبمراجعة هذه الأسماء نجد أن واحداً منهم فقط يعمل في مجال الاتصالات، بينما يعمل الباقون كلهم في مجالات تقليدية: تجار ورق ورز وسكر، مصنعو زيوت ونسيج وأجهزة كهربائية، أصحاب جبّالات وفنادق ومعامل أنابيب وأدوية...
بينما إذا راجعنا قائمة أغنى عشرة أشخاص في الولايات المتحدة لوجدنا أن أبرزهم هم المضاربين في البورصة (وارن بافيت، بول ألين) وبينهم صاحب كازينوهات قمار (شيلدون اديلسون) ومتاجر بالرهون العقارية (جون بولسون)، والبقية من نجوم قطاع المعلوماتية: كيرك كيركوريان (غوغل) و لورانس إليسون (اوراكل) ومايكل ديل (دِيل) وستيف جوبس (آبل) وبيل غيتس (مايكرو سوفت).
وهذه المقارنة تمكننا من فهم معنى عبارة (الاقتصاد السوري اقتصاد حقيقي، لذلك سيكون قليل التأثر بالأزمة العالمية)
اكتشاف دريد درغام
من بين كل ما كتب وقيل في الإعلام المحلي، كانت الدراسة التي نشرها ـ ـ مدير عام المصرف التجاري د.دريد درغام، هي الأكثر علمية ومسؤولية وصراحة، وكانت (بالنسبة لي على الأقل) إعادة اكتشاف لهذا العقل الاقتصادي المثير للإعجاب، وهي أيضاً مؤشراً سيئاً على أن مستقبل الرجل في العمل العام لن يكون طويلاً، فهو (أفهم) من يتحملوه طويلاً.
براون
لا أستطيع أن أختم سوى بالجملة التي كتبها رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قبل يومين في صحيفة التايمز:
(بما أن هذه الأزمة عالمية فهي تحتاج لحل عالمي)
تحياتي لكم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى